عادة ما تبدأ الأشياء صغيرة ثم تكبر ..
إلا حُبي لها .. فقد بدأ كبيراً
بحجم تلك الابتسامة التي ترتسم على شفتيها صباح كُل ثُلاثاء ..
حين تمر من أمامي وتكتفي بتلك الابتسامة العذبة التي تأسرني ..
بشغفٍ .. أنتظرها صباح كُل ثلاثاء متكئ على أطراف شرفتي الحجرية العتيقة
فأقف طويلاً أمام مرآتي المكسورة تلك التي بالكاد تتعلق على طرف ذاك الجدار المنحوت
أتأمل ملامحي الخالية من أي تعبير ينم عن الجذب العاطفي ..
أتأمل ملابسي الرثة .. التي غطت الأصباغ والزيوت الكثير من ملامحها
أتأمل شعري المنكوش .. الذي تطاير مع كُل فكرة جنونية رقصت لها فرشاتي
أتحسس يداي الغليظتين ..
وتلك الكدمات التي أرسلها الزمن لتروي حكاية جرح ..او تواري جثمان غيض
وأعود مجدداً لأفارق تفكيري .. فقط حين يحين موعدي مع تلك الابتسامة
حينها فقط أترك كل شيء وأتجه تلقائياً لشرفتي ..
لأجدها تخطو بثبات يهتز لوقعه شارعنا بأكمله ..
وحين تقف أسفل شرفتي تنظر عالياً .. ثم لا تلبث أن تُطلق تلك الابتسامة الساحرة
التي لطالما أخرستني ..
وأنستني تلك الكلمات العاطفية التي أسهر ليلتي أجمعها ..
وباقي أسبوعي أتخيلها هي تنصت لتلك الكلمات التي ينطقها قلبي قبل ان يرويها لساني
لكنني للأسف .. ما أن ترتمي عيناي على تلك الابتسامة ..
حتى تذوب كلمات الحُب في فمي .. وتنصهر أطرافي ..
فلا أقوى على الحراك
.. فتتبعثر أفكاري ..
ولا يبقى من كياني سوى ابتسامة تكشف عن أسنان لا تجيد الاصطفاف في حرم الجمال
قد عاثت بها السجائر خراباً .. وشفتان غليظتان لا تكاد تظهر منهما الابتسامة .
ولا تلبث هي أن تنثني وهي تبتعد رويداً رويداً فتتلاشى ابتسامتي معها أيضاً
لأعود أدراجي بذات الهدوء لأرتمي بأحضان سريري الخشبي العتيق .. وأغوص في تفكيرٍ عميق .
أسئلةٌ كثيرة هي التي تبحث عن جواب ..
لماذا أنا بالذات ؟
أهوَ الحُب ..
لماذا وملابسي رثة ؟
لماذا وشعري المنكوش ؟
أهوَ الحب ..
لماذا ووجهي الأسمر ؟
لماذا ومستقبلي الذي يكاد لا يظهر ؟
أهوَ الحُب ؟
نعم إنه كذلك ..
أو هكذا يبدو لي .. فلقد أخبروني مراراً انه أعمى
بهكذا جواب أقنعت نفسي وأخمدت ألسنة الأسئلة التي ألهبت تفكيري ..
استفقت بعدها لأجد نفسي عازماً على كتابة رسالة لها ..
أعبِّر لها عم أخرست ابتسامتها لساني عنه من حلو الحديث ..
فقضيت أسبوعي ألمِّع المفردات واراقص الجُمَل ..
وما أن أشرقت شمس الثلاثاء وقبل موعدها بقليل ..
ترجلت إلى أسفل شرفتي وامتطيت ذاك الكرسي الخشبي .. وأناملي ترتعش وهي تُمسك بالرسالة
وبعد برهة ظهرت من بعيد كأنها الغزال المدلل ..
وفي نفس موعدها .. اقتربت بهدوء
بينما تلاحقت أنفاسي .. وازدادت نبضات قلبي ..وما أن أصبحت بالقرب مني
حتى استجمعت قواي .. ونهضت لأعطيها الرسالة ..
لكنني وجدها مازالت تنظر لأعلى ..
فتنحنحت قليلاً لأشعرها بوجودي ..
لكن بصرها كان معلقاً على الشرفة .. كما أنها لا تشعر بوجودي تماماً
عندها رفعت نظري بالاتجاه الذي تنظرإليه ..
فوقعت عيناي على شاب وسيم تكاد تنطق ملامح الثراء من وجهه ..
يقف في الشرفة التي تعلو شرفتي .. وهو يبادلها الابتسامة
حينها فقط .. بدأ ذاك الحب في الانكماش حتى تلاشى مع آخر أثر لابتسامتي
عندها أدركت أن قطار الحُب قد فات ..
وما زالت الرسالة بيدي ..